الكــــــــــــــــــرمة
العــــــــــــــدد 126 الســـــــنة الحادية عشرة
نشــــــرة شـــــــــهرية تصدر منتصف كل شــــــــــــــهر
عن منتـــــــــــدى كرمليــــــــــــس الثقافــــــــــــــي
العــــــــــــــدد 126 الســـــــنة الحادية عشرة
نشــــــرة شـــــــــهرية تصدر منتصف كل شــــــــــــــهر
عن منتـــــــــــدى كرمليــــــــــــس الثقافــــــــــــــي
ألـــــــــــوان
بقلم: بسام
الأبيض:
لم اولد وفي فمي ملعقة فضة ولا غيرها ولاشيء آاكل به البتّة، فقدورثت القساوة عن أجدادي فجدودي لأبي كانوا مزارعين في صراع مستمر مع الأرض والحشرات والطبيعة باسرها، كانت أياديهم مشققة وغادرها الدم منذ زمنٍ بعيد.
وكانوا يتوسدون الصخر في النهارات القائظة، ويبتلعون دخان المواقد في ليالي الشتاء الباردة، وجدودي لأمي كانوا يعدون الفحم لفرن الحداد، كان اللهب يذيب عظامهم لأن الشحوم واللحم غادرت اجسادهم الهزيلة من غابر الزمن.
في هذا الصراع ولدت واخترت الفرن صديقاً لحياتي، وفي الوقت الذي كنا نتناول فيه كسرة خبزٍ يابسة جدّي وأنا كنت أتطلع الى وجهه المصخم بالسواد كنت أرى وجهاً أبيضاً كوجه ملاك.
الأحمر:
كانت الظروف التي نمر بها جد صعبة، أيام كان الفقر والعازة مرافقان دميمان ثقيلا الوطئة، ولم يعد لي من بديل غير أن أقدم احدى ثلاث أرانب كنت أمتلكها مقابل خدمة أسداها لي أحدهم، شخصٌ لايعرف العطاء بلا أخذ، قررت أن أذبحها له لكن الأرنبة المسكينة ترجتني لأنها لاتعرف انها تترجى من لاقلب له، تململت بين يدي، عضّت بأسنانها الحادة ابهامي القابض على السكين وتراخت عنها فزادني اصراري قسوةً فوق قسوة.
فصلتُ رأسها عن جسدها منتشياً بدا لي لأول وهلة أن في عينيها دمعة ونظرة حزينة، رميته على عجل ولما أكملت سلخها فتحت بطنها فإذا فيها ست أجنّة حمراء صغار، لم أعد أميّز الألوان ولم اعد غير اللون الأحمر أينما نظرت، ومازلت لليوم أغسل يدي لكن رائحة الدم لن تفارق أنفي.
الأزرق:
ستسألوني لماذا لا اتحدث عن أبي، كان أبي يحضر الى المدرسة ليسلّم البريد الى ادارة المدرسة، ببزته الزرقاء الرسمية، في يومٍ ماطر يبتسم لي ويدعوني الى حانوت المدرسة ليشتري لي "كاسة لبلبي" حارة وأنا أشتم رائحة سكائره، كنت أشتم رائحة السكائر عن قرب عندما أقدّم له شهادة نجاحي ليقبلني ويدغدغ بشاربه خدي.
وعندما غادرنا أبي لم يقل كلمة وداع كانت نظراته غائرة يبحث عن كل واحدٍ فينا، وعندما غطيُّ بشرشفٍ أزرق كأنها السماء قد تلقفته ولازالت رائحة السكائر تملأ أنفي.